الغدة الدرقية والحمل بينهما ارتباط وتاُثير وتأثر كبيرين، لذا سنعمد من خلال هذا الموضوع إلى تبيان هذه التداخلات وأثرها من حيث الأعراض والأضرار وكيفية التشخيص والعلاج، مع بيان أهمية الغدة الدرقية بما تفرزه من هرمونات على صحة الأم وكذلك الجنين.

الغدة الدرقية هي غدة من الغدد الصماء بمعنى أن إفرازاتها من الهرمونات المختلفة تمر إلى الدم مباشرة دون وسيط ودون حاجة إلى ممرات أو وسائط نقل معينة، والغدة الدرقية تقع خلف الحنجرة، وترتسم في العنق على شكل فراشة قد همت بفرد جناحيها، وتمتاز بلونها الأحمر الداكن، وهي عبارة عن فصيين داكنيين، الخلايا المبطنة لها تمتاز بخصوصية ما حيث عنها تصدر الإفرازات الهرمونية، وتسمي تلك الخلايا المبطنة لتلك الفصوص بالخلايا الكيسية أو الجريبية.

هرمونات تُفرزها الغدة الدرقية

تختص الغدة الدرقية بإفراز أنواع معينة من الهرمونات تُعرف بهرمونات الثايرويد والتي تنقسم بدورها إلى هرمونين رئيسين هما الثيروكسين وهو الهرمون الأكثر شهرة لما له من تأثيرات قوية على الحالة العامة لجسم الإنسان، حيث تُفرزه كما أشرنا مسبقًا الخلايا الكيسية الموجودة في باطن الغدة الدرقية، وهذا الهرمون مسؤول بشكل رئيس عن عمليات الأيض والنمو والنشاط البدني في جسم الإنسان، ونقصه أو قصوره يعتبر سبب أساس في نشوء قصور الغدة الدرقية وما يستتبعها من أعراض ومشاكل في الغدة الدرقية والحمل.

الهرمون الثاني الذي تفرزه الغدة الدرقية من خلال خلاياها الجريبية هو هرمون ثلاثي يود الثيرونين ويعتبر هذا الهرمون مسؤولًا بشكل كبير عن عمليات مباشرة الأنسجة في جسم الإنسان، وتتضمن تأثيراته عديد من التأثيرات الفسيولوجية المهمة أهمهما النمو وتنظيم درجة حرارة الجسم، وكذلك مسؤول عن تنظيم واعتدال ضربات القلب، بالإضافة إلى دوره في التمثيل الغذائي، وبالتأكيد نقصه يؤدي إلى أضرار في الغدة الدرقية والحمل.

الغدة الدرقية والدورة الشهرية

الدورة الشهرية أو الطمث أو العادة الشهرية كلها أسماء متنوعة لحدث نوعي في حياة النساء عمومًا، يحدث هذا الأمر كل شهر على هيئة نزف دماء من المهبل، وهو حدث وثيق الصلة بالإخصاب والحمل والحياة الإنجابية. وللغدة الدرقية في هذا الاتجاه دور بارز ومهم في الحفاظ على نظام هذا الحدث أو هذه الدورة من بدايتها إلى نهايتها، ثم مرورًا إلى وتيرة حدوثها وتتابعها، انتهاءً بكثافة الطمث ومقداره، وبالتأكيد تأثير الغدة على ما سبق ذكره يختلف من إمرأة إلى أخرى، لكن الانخفاض في وتيرة الدورة الشهرية  هو العرض الغالب والأكثر ظهورًا سواء في حالة فرط أو قصور الغدة الدرقية. كما يلاحظ أن كثافة الطمث تزيد من توغل القصور وإثبات ذاته بالنسبة لحالة المريض.

عدم انتظام الدورة الشهريّة أمر شائع الحدوث وأسبابه كثيرة جدًا، لكن تبقى الغدة الدرقية بتأثيراتها وحضورها بنسب هرمونات عالية أو منخفضة سببًا بارزًا لكثير من الحالات التي تعاني تشوشًا في الدورة الشهرية من حيث نسبة الطمث، إلى اختلاف أوقاته أو توفره دون معاد، وهذا بالتأكيد له تداعياته الضارة بالنسبة لتأخر الحمل وغير ذلك، لذا فمراجعة الطبيب بخصوص هذه الأمور ومحاولة معالجتها، يسهل كثيرًا من الوصول إلى الحمل.

الغدة الدرقية والحمل

خلال فترة الحمل يحدث تغير ملحوظ في الغدة الدرقية حيث تزداد ضخامة وذلك نظرًا لنشاطها الزائد، وتتنوع الأمراض اللاحقة بالغدة الدرقية إلى مرضين رئيسين هما فرط نشاط الغدة الدرقية وقصور نشاط الغدة الدرقية.

فرط نشاط الغدة الدرقية والحمل

مرض ارتفاع أو فرط الغدة الدرقية حين يصيب المرأة أثناء حملها قد يصعب تشخيصه، وذلك نظرًا للتشابه الكبير بين الحمل كأعراض وبين أعراض هذا الارتفاع كمرض، إلا في حالة أن يكون المرض شديداً، ففى هذه الحالة تكون أعراض هذا الارتفاع أو الفرط واضحة جلية.

ومن أشهر الأعراض المشتركة لكليهما -الحمل وفرط نشاط الغدة الدرقية- زيادة ضربات القلب وزيادة الحرارة بالأطراف مما يستدعي من الحالات المصابة تفضيل الخروج للأماكن الباردة والمفتوحة لتعويض هذا النشاط العالي للحراة في الجسم، كما يشترك الحمل ومرض فرط الغدة الدرقية في مسؤوليتهما عن زيادة الوزن مع عدم وجود ما يبرر هذه الزيادة من فرط تناول للطعام و دأب على تناول المشروبات، من هنا فتشخيص فرط نشاط الغدة الدرقية مع وجود الحمل ليس بالأمر اليسير أو الهين.

مرض فرط نشاط الغدة الدرقية والحمل يؤدي إلى زيادة فرص حدوث نقص في نمو الجنين داخل رحم أمه، وقد يتضاعف التأثير إلى ربما وفاته لا قدر الله. ومن أكثر أسباب المؤدية لفرط نشاط الغدة الدرقية أثناء فترة الحمل هو المرض المعروف بداء جريف، لذا ينصح بالعمل الدؤوب وعدم الاستسهال من المرأة الحامل بأن تذهب إلى الطبيب بشكل منتظم حتى تطمئن على سير عملية الحمل، وتتلاشى تسرب الأمراض الخفية إليها وهي لا تشعر بأعراضها.

قصور الغدة الدرقية والحمل

يعتبر نقص اليود في الغذاء هو السبب الرئيس لقصور وظائف الغدة الدرقية، فاليود مادة رئيسة لا غنى عنها للجسم، تحتاجها الغدة الدرقية لبناء هورمون الثيروكسين من خلال خلاياها الكيسية، ومع انتشار إضافة اليود على شتى الأطعمة تراجع نقصه أن يكون سببًا رئيسًا لاختلال إفراز الهرمونات في الغدة الدرقية، وحل محله سبب آخر وهو مشكلة ما في الجهاز المناعي للجسم.

كمية الهرمون المطلوب إنتاجها من الغدة الدرقية تزيد نسبتها بشكل ملحوظ في خلال فترة الحمل، وذلك نظرًا لكون الجنين غير قادر بعد على إفراز هرمون الثيروكسين مما يستدعي من جسم الأم أن تمده به، وبناءً على ذلك ففرص الإصابة بقصور الغدة الدرقية تزداد، الأمر الذي يشكل مخاطر لا يستهان بها على صحة المرأة الحامل وكذلك على الجنين.

علاج الغدة الدرقية

يُنصح في الإطار العلاجي والوقائي كذلك بعمل تحاليل دورية للكشف عن نشاط الغدة الدرقية ومدى استوائها واعتدالها في إفراز الهرمونات المطلوبة لجسم الأم الحامل وكذلك للجنين، علاج الغدة عند النساء غاية في الأهمية فهو يقلل من فرص حدوث مضاعفات خطيرة كخطر الإجهاض وفقر الدم وكذلك انخفاض وزن المولود. لذا ففي حالة القصور على المرأة الحامل أن تعوض نقص الهرمون عن طريق تناوله كأقراص طبية مصنعة تحت غشراف الطبيب، أما في حالة فرط نشاط الغدة الدرقية فيتم بإشراف الطبيب كذلك تناول أدوية تحيّد إنتاج هذا الهرمون، وبذلك تسير بسلام واعتدال وظائف الغدة الدرقية والحمل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *